الأحد، 16 يونيو 2013

كلنا وجيهة الحويدر!

لم أصدق الخبر الذي وصلني من صديقتي فالنتينا كولمبو، الأستاذة في العلوم الإسلامية بجامعة روما. بعثته إلي على التويتر، وتأكدت منه من وجيهة الحويدر نفسها.  
وجيهة الحويدر، الناشطة الحقوقية النسوية السعودية حكم عليها بالسجن عشرة أشهر ومنعت من السفر لمدة عامين. الحكم صدر عليها وعلى صديقتها، والناشطة الحقوقية فوزية العيوني. وفحواه محاولة "هدم الحياة الزوجية" لامرأة كندية متزوجة من رجل سعودي.
 قضية السيدة الكندية معروفة، فهي تزوجت وأنجبت منه ثلاثة أطفال، وعندما سافرت معه إلى السعودية عام 2005، بدأ يسيء معاملتها، ويضربها، ثم يمنع عنها وأطفالها الطعام. أصبحت مع الوقت سجينة شقتها.
وجيهة الحويدر وفوزية العيوني حاولتا مساعدتها، والنتيجة أنه قبض عليهما، ثم بدأت محاكمتهما في قضية بدا من الواضح من البداية أن الهدف هو ترويع الناشطتين.
 لم تكن القضية قضية المرأة الكندية، رغم مأساتها المؤلمة.
كانت القضية محاولة من السلطات السعودية كي تجبر وجيهة الحويدر وزميلتها على الصمت.
وجيهة الحويدر كانت أول من تحدى قرار حظر قيادة السيارة في السعودية، ونشرت فيديو وهي تقود السيارة على اليوتيوب عام 2008 .
بالنسبة لها كانت قيادة السيارة رمز. رمز لقيود تكبل المرأة السعودية، تحولها إلى قاصر لا يمكنها أن تتحرك دون "وكيل أو ولي أمر" يتحدث باسمها، يقيد من حركتها، يقيد من حريتها، ويحرمها من أن تكون كائناً متساوياً مع الرجل في الحقوق والكرامة.
ظلت منذ سنوات عديدة تعمل مع غيرها من الناشطات السعوديات دون كلل. تدعو إلى الإصلاح، تدعو إلى تغيير القوانين التمييزية المجحفة داخل السعودية، تكتب مقالات،  التي منعت مع الوقت من النشر في الصحف السعودية، وتصر على الإصلاح.
 كل ذلك ولم تدعو مرة إلى تغيير النظام السياسي الحاكم. لم تفعل ذلك أبداً. كانت دعوتها هي إلى الإصلاح من داخل الإطار السياسي.
لكن النظام السعودي، الذي كان "يتحمل النقد" قبل الربيع العربي، أصبح "يخاف" منه "مرعوباً".
لم يعد يحتمل أي نقد. ولذلك بدأ يستخدم أسلوب الترهيب والترويع. لم يعبأ بأي ضجة إعلامية دولية، أو نقد المنظمات الحقوقية الدولية، وهو يلقي القبض على اصوات إصلاحية مثل عبدالله الحامد، محمد فهد القحطاني، او تركي الحمد.
ثم تحول إلى وجيهة الحويدر وفوزية العيوني بقضية أقل ما يمكن أن تقال عنها أنها تكشف عورة القضاء السعودي. قضاء لا يوفر مترجم للسيدة الكندية التي لم تفهم كلمة واحدة خلال جلسات المحاكمة. قضاء "اعتباطي"، لم يشارك فيه وكيل النيابة، وتعامل فيها القاضي مع الحويدر والعيوني بأسلوب "تعسفي"، كأنه خصمهما، لا القاضي.  قضاء ينتمي بجدارة إلى القرون الوسطى.
الحويدر والعيوني متهمتان بمحاولة "هدم حياة زوجية" وتشجيع زوجة على "التمرد" على زوجها. في أي قرن تعيش فيه المملكة؟
قضية وجيهة الحويدر وفوزية العيوني هي قضية ضمير. تعكس واقع حقوق الإنسان الغائبة في المملكة.
والمملكة تظن أنها قادرة على انتهاك حقوق مواطنيها ومواطناتها، وكتم أصوات الداعين والداعيات إلى التغيير السلمي.
تعتقد أنها قادرة على ذلك خاصة مع صمت حلفائها الغربيين المخزي.
في مواجهة هذا الصمت، نرفع صوتنا نحن، ونقول "اليوم، كلنا وجيهة الحويدر".


مسجد شامل، مسجد بدون تمييز!


أعُدُ لكتابٍ عن محاكم الشريعة في بريطانيا، يتطلب مني السفر إلى هناك، إجراء لقاءات، زيارة المحاكم، جمع معلومات، والبحث في المكتبات.
ومثل كل كتاب أعددت له في السابق، كان السفر بوابة حياة جديدة. فتحت لي الباب على مصراعيه للتعرف على واقع لا اعرفه، والتحدث إلى أشخاص جدد، لهم ولهن فكر متعدد، وتجارب مختلفة تشربت ولذا تنوعت حسب خلفياتهم/هن الثقافية والدينية.
لن أحدثكما هنا، عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ، عن المجتمعات المغلقة التي وجدتها في وسط لندن، أو عن الصدمة التي تعرضت لها هناك من بعض ما شاهدته.
ذاك حديث سيأتي حينه. وحينه ليس الآن.
اليوم أريد أن احدثكما عن مسجد طالما حلمت به، وحدثتكما عنه في مقالات سابقة لي.
عن مسجد لا يميز بين الإنسان. يحترم الإنسان ويقبل به كما هو، كما هي.
مسجد يقوم على مبادئ المحبة، السلام، المساواة، الحرية، والتنوع.
 لا يدعو بالدمار على رؤوس من "لا يؤمن"، على "الكفار"، على "العلمانيين"، على "الصليبيين واليهود".
مسجد محبة.
وجدته هناك في لندن.
أو على الأقل وجدت فكرته في مشروع جديد، تدعمه مجموعة من الشابات والشبان من بريطانيا، أسمه مبادرة المسجد الجامع (الشامل)  Inclusive Mosque Initiative (وصلة موقع المشروع أدناه).
"نريد مسجداً يشعر فيه كل إنسان بالترحيب"، قالت لي زينب، البريطانية التي أسلمت عندما درست مادة عن الفلسفة الإسلامية، وإحدى مؤسسات المبادرة.
درست الفلسفة الإسلامية التي يلعنها التيار السلفي، والتي يدعو عليها تيار الإخوان المسلمين، والإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي.
لكنها مع تحولها إلى الدين الإسلامي، لم تجد مسجداً يضمها بين حناياه. أليس هذا محزناً؟
قالت لي إنها لاحظت وغيرها أن الكثيرات بدأن يتركن الإسلام. بعضهن ولدن مسلمات، وبعضهن تحولن إلى الإسلام. لكن مع الوقت شعرن أن الدين كما يمارس اليوم يتجاهل وجودهن. يتجاهل أنهن إنسان. فتركوه.
صديقة لها، ومؤسسة رئيسية للمبادرة، عادت من زيارة إلى الولايات المتحدة وحدثتها عن وجود بعض الجاليات الأمريكية المسلمة تمارس إسلاماً "تقدمياً"، أسميه أنا "إنسانياً"، ثم حدثتها عن بعض المساجد التي رأتها هناك، فانطلقت الفكرة: "لم لا نبني نحن أيضاً مسجداً، يكون جامعاً، جامعاً للإنسان بتنوعه".
مسجد لا يسألك هل أنت مسلم أو مسلمة كي تتمكن من الصلاة فيه. يرحب بك وبكي، كإنسان يحق له ولها أن تصلي في أي بيت من بيوت الله.
مسجد تصلي فيه المرأة مع الرجل. لا يفصل بينها جدار، لا يفصل بينهما حاجز. رجل، وامرأة يصليان أمام الخالق متساويان، تماماً كما خلقهما، خلقهما متساويان، في الكرامة والحقوق.
ولذا، تؤم فيه المرأة، كما الرجل، المصلين والمصليات.
مسجد لا يُسأل فيه المصلي والمصلية "إلى أي مذهب تنتميان".
ومسجد يرحب بالمثليين من الرجال والنساء. نعم. من المثليين من الرجال والنساء.
يرحب بهما ويحبهما. تماماً كما خلقهما ويحبهما الله.  
من قال إن الله لا يحب خلقه؟
أعرف أن بعضاً منكما يهز رأسه الآن مستنكراً. رافضاً غير مصدق.
ولعله سيلعن.
وغيره سيكفر، سيقول "كفرن. عن أي مسجد يتحدثن؟"
كفرن بماذا؟ اطرح السؤال على من يكفرنا.  
كل ما نطالب به هو مسجد، بيت لله، يحترم آدميتنا وإنسانيتنا ونحن نصلي.
تماماً كما أعرف أن بعضاً منكما، سيهز رأسه متسائلا متفكراً.
ولعله سيقبل بالفكرة بعد وقت، أو سيرفضها. وسيفعل ذلك محترماً لمن يخالفه. ستفعل ذلك في احترام.
في المقابل أنا على يقين، أن بعضكما سيتنهد كما لو أن فجوة انشقت في قلب السماء ليلة القدر. وجد ما كان يبحث عنه. وجدت ما كانت تبحث عنه.
يبحث عن مسجد محبة. تبحث عن مسجد سلام ومساواة.
مسجد يحترم الإنسان كما هو وهي، ويقبل به كما هو أو هي.
الفكرة طموحة.
ليست مستحيلة. فأنا لا أؤمن أن هناك مستحيل. التغيير يبدأ بنا نحن. نصنعه بما نمارسه في حياتنا.
وزينب رغم إدراكها للصعوبات الجمة التي تواجه تحقيقها لم تيأس بعد. تبحث عن متبرعين ومتبرعات لتمويل المشروع.
وإلى حين بناء المسجد، نظمت هي واصحاب وصاحبات المبادرة عدة انشطة وفعاليات، شارك فيها في كل مرة نحو 40 مشارك ومشاركة.
و المبادرة التي بدأت بفكرة من فتاتين، وجدت مؤيدين ومؤيدات لها، ليس فقط في اقاليم متعددة في بريطانيا، بل في جنوب إستراليا، في الكاشمير، وفي كوالا لامبور.. والقائمة ستزداد.
لكن طبيعة التحدي كانت تفرض نفسها دائماً.  
حكت لي زينب كيف أن مجموعتها نظمت مرة لقاءاً مشتركاً، بدأنه بصلاة جماعة، تؤمها امرأة. شارك في اللقاء للمرة الاولى شابان.
رفضا الفكرة منذ البداية. أصرا أن ما يحدث خاطيء. ثم قررا ان يصليا على جانب، بعيداً عن الجماعة (التي ضمت رجالاً ونساءاً) التي تصلي خلف الإمامة.
وبعد الصلاة دخلت المجموعة كلها في نقاش جاد وحاد حول الموضوع.
واضافت: "ليس من الضروري أن نتفق في آراءنا، لكن المهم أن يكون لكل منا الحق في دخول ذلك المسجد، بغض النظر عن هويته او رأيه".
أتعرفان ما الذي ابهجني في هذه الحادثة؟ أن الشابين لم يغادرا. أي والله هذا ما أفرحني.
 رفضا الفكرة، صليا وحدهما، ثم انضما إلى المجموعة ليشترك الجميع في نقاش وحوار.
"دعونا نتحدث عن الأمر. بدلاً من أن نكفر بعضنا الآخر."
ما حدث يعكس قناعة المبادرة.
تشرح لي زينب: نريد مسجداً جامعاً بمعنى شامل واسع، لا يتضمن فقط موضوع النوع، بل يهدف إلى خلق مساحة حوار، يلتقي فيها السني، الشيعي، الصوفي، القرآني، النسوية، المحافظ، لتبادل الآراء والأفكار والخبرات، وهي مساحة ترحب ايضاً بالمتشككين وغير المتدينين". 
اظنها تريد مساحة تقبل بالإنسان كما هو، لا تصنفه، وطالما أن ما يؤمن وتؤمن به لا يدعو إلى قتل أو إقصاء الآخر، لا ينتهك حق من حقوق الإنسان لمن حوله، فليؤمن هو، ولتؤمن هي كما تشاء.
الله يحب خلقه.
لم نصر نحن على أن نكره خلقه؟
اكرر. الفكرة ممكنة. ليست مستحيلة.
ويوماً ما، سنبني هذا المسجد.
يوماً ما، سيكون معلماً تاريخياً.
يوماً ما سيقال: "في ذلك الزمان، كانت الفكرة غريبة. اليوم لم تعد كذلك."
إلهام مانع
وصلة موقع المبادرة: