الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

عن البهائية 2



 "ما يعبدوا إللي عايزين يعبدوه، إن شاء الله يعبدوا زلطة. الكاتبة بتتكلم عن الحقوق والحريات وبالذات حرية العقيدة، ودي مش موجودة في الدول العربية."
تعليق القارئ المصري عبده إبراهيم دفعني دفعاً إلى الابتسام.  وردُه في الواقع اصاب مربط الفرس. جاء في إطار التعليقات التي انهالت تعقيباً على موضوع "عن البهائية 1"، الذي نشر في أكثر من موقع.
كثير منها كان مرحب، وقليل منها كان مستهجناً إن لم يكن مستغرباً، وكلٌ كان له ولها رأي. وهذا حق الجميع.
وهو تحديداً كان يتفاعل مع حوار بدأه احد القراء الكرام، عندما سألني إذا كنت اعرف مكان قبلة البهائيين والبهائيات، واكمل: "انا اقولك واكيد انتى عارفه بيسجدو لنبيهم المدفون فى حيفا وهذا شرك بالله، يبقى إزاي مؤمنين بالإسلام، ولا هو أي كلام".
تعليقٌ عبَّر بوضوح عن ’مشكلتنا’ نحن مع حرية العقيدة. وهي مشكلة بالفعل.
لأن  كثيراً منا لا يقبل بحرية العقيدة إلا بشروط،  أهمها  أن تتواءم ثم تنسجم مع "قناعاتنا الدينية".
’إما ان تؤمني كما نريد، او لا نقبل بكِ.’
كيف تصبح حرية عقيدة إذن؟

البهائيون والبهائيات يقبلون بالإسلام كما يقبل الإسلام بالمسيحية واليهودية. وهم وهن مقتنعات بأن دينهن مستقل بذاته. كما يعتبر الإسلام نفسه ديناً مستقلاً بذاته. أين المشكلة في احترام حقهم وهن في ديانتهن المستقلة؟
عبارة القارئ عبده إبراهيم أعادت الحديث إلى مجراه: "إن شاء الله يعبدوا زلطة". نحن نتحدث هنا عن حرية العقيدة.
نعم. نحن نتحدث هنا عن حرية العقيدة.
ليعبد الإنسان، إمرأة أو رجلاً، ما يشاء.
زلطة، شجرة، آلهة متعددة، فكر إنساني، رب الكون، أو لا يؤمنا. حقهما.
 ليس من حقي أنا أن افاصل معهما واحدد لهما كيف يكون الإيمان.
 ليس من حقي أن افعل ذلك.

حرية العقيدة تعني أن اقبل بحقهما في ان يؤمنا كما يريدان. لا أن أحكم على ما يؤمنان به، ثم اعتمد على حكمي هذا لتبرير إنتهاك حقوقهما في المواطنة المتساوية.
اقبل بهذا الحق لا افاصل فيه.
وأقبل به دون شروط.
مواطن مواطنة، متساويان أمام القانون.
كلاهما إنسان.
لا نضع عليهما مسحة دينية، إسلامي، يهودي، بوذي، مسيحي، بهائي، علوي، إسماعيلي، سني،...، او ملحد. ثم نُكملها بذكر وأنثى.
ليؤمن الإنسان بما يريد، لكن عليه احترام حق غيره في الاختلاف.  

واحترام حقوق الغير في الاختلاف لا تعني ان افسرها كما تفعل انظمتنا القمعية، دينية كانت او علمانية بأن "لا تتسبب قناعات الشخص في الأخلال بالسلام والأمن العام للمجتمع".
 تحت هذه الخانة يُمنع الإنسان من التفكير في بلداننا.
 حزب النهضة التأسلمي في تونس يريد اليوم أن يقيد حرية التعبير إذا كانت ستطال ما يسميه "المقدسات".
حسب رؤية حزب النهضة فإن  إذاعة فيلم كارتوني عن فتاة تحكي قصة معاناتها مع الطبيعة الدينية الكهنوتية للنظام الإيراني تنتهك ما يسميه المقدسات. إقامة معرض فني تشكيلي تنتهك المقدسات. انتقاد الفكر الديني الذي يتمسح به الحزب، هو انتهاك للمقدسات.
هل يحسب الحزب أننا نعيش في القرون الوسطى؟

كل هذه الحيل معروفة في كل المجتمعات.
تسعى إلى منع الإنسان من التفكير، وحق المواطنات والمواطنون في مساءلة من يتشدق بالدين.
ذاك سبيلها لتكبيل عقولنا وأنظمتنا بالأغلال. 

-----

الإنسان، كالأقليات، يعاني لدينا كثيراً.  
وهذه المعاناة، وإن كانت أسبابها متعددة، إلا أنها ترتبط  تحديداً بالتفسير القائم للدين.
 لأنها قراءة لا تعترف بالتعددية والاختلاف.
 تقول إن المسلم، والذكر تحديداً، هو الإنسان. وغيره لا يعتد به. محور الكون.
 تماماً كما أنها قراءة تعتبر نفسها في حالة حرب مستمرة مع الآخر. أيا كان هذا الأخر. 
ووضع الأقليات في مجتمعاتنا المتعددة يعبر بوضوح عن هذه الرؤية.
ولذا أكمل معكما اليوم حديثي عن التمييز الذي تتعرض له الأقلية البهائية في إيران.

-----

أتعرفان ما الغريب؟
الغريب أن الدين البهائي خرج من رحم الإسلام الشيعي. ورغم ذلك فإن أشد الدول انتهاكاً لحقوق الأقلية البهائية هي إيران الإسلامية.
أترك لكما محاولة تفسير السبب.
 المهم هو أن تلك الأقلية عانت من التمييز خلال فترة حكم الشاه في إيران، لكن معاناتها أصبحت عذاباً بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم عام 1979.

في كتابها الموسوعي عن الأقلية البهائية، "مواطنو العالم"، الذي نشرته دار بريل الألمانية الرصينة عام 2006، حددت الباحثة الدنماركية مارجيت فاربورج بعض اوجه ذلك التمييز.

تقول، في الوقت الذي يعترف فيه دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية باليهودية، المسيحية، والزرادشتية، كأديان أقليات رسمية، فإنه لا يعترف بهذا الحق للأقلية البهائية رغم أنها أكبر اقلية دينية في إيران مع عددها الذي يتجاوز 300 الف شخص.
هذا التجاهل المقصود في الدستور وفر اهم اساس قانوني لحرمانهم وحرمانهن من حقوق المواطنة.
الدولة في إيران تعتبر من يؤمن بهذا الدين "كافر لا يخضع للحماية". واتخذت "خطوات قانونية شبيهة بقوانين نوريمبورج التي اصدرها هتلر في 1935، التي أدت إلى تقنين ومأسسة عملية التمييز ضد المواطنين الألمان من اتباع الديانة اليهودية".
تشير  فاربورج إلى أن من الطرق "الفعالة غير الدموية" للإقصاء والتمييز هو حرمان الأشخاص من فرص التعليم والعمل. هذه الطرق لجأت إليها إيران الإسلامية، و يمكن تلخيصها كما يلي: 

1. منذ عام 1979 وبموجب قرار حكومي، تم منع كل الطلاب والطالبات والكادر الأكاديمي من البهائيين من الدراسة أو العمل في أي جامعة إيرانية.  
لا يسمح لهم ولهن بالتعليم!
حاول البهائيون والبهائيات الالتفاف على هذا الحرمان عام 1987 ببناء معهد علمي سري يوفر للطلاب والطالبات تعليماً جامعيا. لكن السلطات الإيرانية اكتشفت الأمر عام 1996 وشنت حملة أمنية اعتقل على اثرها 36 أستاذا وأستاذة جامعية.
يشنون حملة امنية لمنع الإنسان من التعليم الجامعي!
2. منذ عام 1979 اصدرت وزارة التعليم قراراً بفصل كل المدرسين والمدرسات من البهائيين والبهائيات من العمل التعليمي.
3. منذ بداية الثمانينات تم إلغاء كل تراخيص العمل للمشاريع التجارية المملوكة للبهائيين والبهائيات، وتجميد ارصدتهم/ن في البنوك.
4. الفلاحون والفلاحات  من الأقلية البهائية يمنعن من الانضمام إلى اي تعاونيات فلاحية.
5. في عام 1982 تم فصل اكثر من 10.000 موظف حكومي بهائي، وإيقاف معاشات التقاعد من البهائيين.
6. في عام 1984 طلبت السلطات الإيرانية من بعض الموظفات والموظفين البهائيين المفصولين أن يدفعوا "الرواتب التي حصلوا عليها أثناء عملهم في الحكومة"!!
7. في عام 2002 اقر البرلمان  الإيراني مشروع قانون عن "الدية" التي تقدم من قبل اهل القاتل إلى اهل القتيل. وفقا للقانون تمت مساواة الفدية المقدمة في حال مقتل مسيحي، يهودي، زرداشتي أو امرأة بالفدية المقدمة لقتيل رجل مسلم. لكنه استثنى البهائيين، واصبح من الممكن قتل البهائي، وعدم تقديم تعويض.
 حدث هذا في قضية حادث سير شهيرة، قُتل فيها إيرانيان بهائيان بسبب سيارة قادها إيراني مسلم بطريقة متهورة.
 القاضي حكم "ان الفدية لا تقدم في حال هؤلاء (البهائيين)".
8. بيوت وأملاك البهائيين يتم تدميرها والاستيلاء عليها بشكل دوري.

-----

عدا عن هذه الطرق "غير الدموية" لقتل الإنسان في وطنه، تلجأ الحكومة الإيرانية إلى طرق دموية لترهيب الطائفة البهائية.
 اكثر من الف بهائي وبهائية تم اعتقالهن بتهمة "الكفر". في السجون يتعرضون ويتعرضن للضرب، للجلد، للتعذيب. نزع الأظافر والأسنان اصبح روتيناً. تماما كما يفرض عليهن وهم مشاهدة ابنائهم وبناتهم، ازواجهم وزوجاتهم، أخوتهم وأخواتهم يتعرضن للتعذيب.

في كل هذه الحالات، كان مطلب السلطات منهم واحد: أن يتركوا دينهم البهائي، ويتحولوا إلى الإسلام!  
يعذبونهم كي يتركوا دينهم ويؤمنوا بالإسلام؟
يعذبنهن كي يتركن دينهم و يؤمّن بالإسلام؟
يذكرني هذا بما حدث للنبي الكريم واصحابه وصاحباته من اذية من قبل اهل مكة!
اصبحنا نحن من نعذب ’المؤمنين’، بعد أن تمكنا؟

----

احدثكما عن الأقلية البهائية في إيران وعيني على ما يحدث في مجتمعاتنا العربية.
عندما حدثت الثورة الإيرانية لم يتم أسلمة الدولة بين ليلة وضحاها.
حدث ذلك بالتدريج.
بالتدريج.
و بخطوات مدروسة.
عمد الإسلاميون إلى تفيك المعارضة غير المتأسلمة، بأسلوب فرق تسد.
واصدروا قوانين وتعليمات و إجراءات، واحدة بعد الأخرى، بهدوء، حتى اصبح الناس على غفلة ليجدوا أنفسهم في دولة كهنوتية مستبدة.  
وكما رأيتما من السرد السابق لتلك الخطوات التي قامت بها إيران الإسلامية ضد الأقلية البهائية، فإنها أول ما بدأت، بدأت  بالدستور، كي توفر الغطاء القانوني للتمييز.
بدأت بالدستور.
بالدستور.
والصراع القائم في مجتمعاتنا حالياً يحدث الآن على الدستور.
أي مجتمع نريد؟ أية دولة نريدها؟
هل نريد دولة تحترم الإنسان، ذكراً كان او أنثي، بغض النظر عن دينه او فكره؟
هل نريد دولة تحترم مفهوم المواطنة؟ تحترم الإنسان في وطنه وتعامل كل المواطنين والمواطنات على قدم المساواة أمام القانون؟
أم نريدها دولة دينية مستبدة، تقول للإنسان ’على حسب دينك، على حسب جنسك، على حسب فكرك سأعاملك".
أية دولة نريد؟

----

في المقال القادم احدثكما عن الأقلية اليزيدية (الأيزيدية) في العراق، فلا تنفرا.