السبت، 19 مايو 2012

"أنا لم أختر أن أكون مسلماً كي أترك الإسلام!"



ولد الإنسان حراً. ذكراً أو أنثى.
حراً. حرة.
والحرية تعني أن يختار الإنسان الدين الذي يقتنع به.
أن يتحول من دين إلى أخر.
أن يؤمن أو لا يؤمن.
أو أن يلحد.
-----
"أنا لم أختر أن أكون مسلماً كي أترك الإسلام". صاحب هذه العبارة هو المدون الشاب المغربي قاسم الغزالي.
قالها لي أثناء ندوة شاركنا فيها نحن الاثنان في جامعة زيوريخ، يوم الخميس 10 مايو 2012، وألقى فيها محاضرة عن واقع حرية الرأي في المدونات بعد انتفاضة الحريات في المنطقة.
وأنا استمعت إلى عبارته، ووجدتها في الواقع صحيحه.
هو لم يختر أن يكون مسلماً. بل فُرض عليه الأمر فرضاً.
عندما يولد الإنسان في إسرة مسلمة  في مجتمع عربي أو مسلم، فإنه يصبح مسلماً تلقائياً.
رسمياً.
بصفة أبدية.
بكلمات أخرى، لو شب الإنسان وقرر أن هذا الدين لا يلائمه، وأنه يفضل ديانة أخرى، أو أنه غير مقتنع بأية ديانة على الإطلاق، فإن هذا الإنسان سيلاقي الويل إما من مجتمعه أو الدولة التي يعيش فيها، او الاثنان معاً.
أين القناعة والاختيار هنا؟
ثم كيف نتحدث عن الإيمان عندما نُكره ونغَصب من لا يؤمن أو لا تؤمن بالإسلام على البقاء مسلمين؟
 نحن في الواقع نصر على إنسان لا يريد أن يكون مسلماً، أن يكون مسلماً، غصباً عنه!
غصباً عنه؟
لماذا؟
كل هذه أسئلة تفرضها قضية قاسم الغزالي.
قاسم الغزالي أراد أن يختار طريقاً يلائمه هو، فوجد نفسه في مجتمع لا يقبل بالاختلاف.
هو ملحد.
يؤمن بالإلحاد.
هذا دينه.
نشأته وتعليمه المكثف في "مدارس" دينية مهدت في الواقع لإلحاده.
لم يتعرف هناك على دين يدعوه إلى المحبة، إلى الخير، والنور.
بل على تحريم وتغليظ وتقديس لشعائر وشيوخ،  تحولت إلى اصنام، نعبدها بدلاً من الرحمن.
ثم لعنات، لعنات تسقط على رؤوس كل من يجرؤ على التفكير.
"لا تفكر، لا تفكر، عليك اللعنة إن أنت فعلت".
ثم كراهية وإقصاء للآخر، للمختلف.
فنفر قاسم الغزالي.  
هل نلومه هو؟
 الكثيرون ينفرون سراً، ينسلخوا من الدين صامتين. وأعرف كثيرين تحولوا إلى المسيحية والبوذية أو الإلحاد، وظلوا مسلمين على الورق. ورق رسمي.
بيد أن المدون المغربي قاسم الغزالي أختار طريقاً مختلفاً. كان في الواقع شجاعاً.
قرر أن يكون صادقاً وأميناً مع نفسه.
أعلن إلحاده.
هو لا يؤمن بهذا الدين، ولا يريد أن يكون مسلماً، ويريد أن يقولها صراحة. أنه ملحد.
فقامت القيامة. 
ثم قرر ايضاً أن يكف عن التمثيل. فقرر الإفطار خلال شهر رمضان. علناً.
فقامت القيامة من جديد.  
واعذراني إذا كانت أسئلتي مزعجة، لكن لماذا نخاف هكذا ممن يقرر ان يتحول من الدين الإسلامي إلى ديانة اخرى أو إلى الإلحاد؟
لماذا نخاف من حق الإنسان في الاختيار؟
ثم لم لا نحترم إرادة هذا الإنسان؟ ونكف عن اعتباره قاصراً؟
لماذا نعتبر أن من حق غير المسلمين أن يتحولوا إلى الإسلام، نحييهم، ونشد على أيديهم، ونبارك لهم حريتهم في التعبير واختيار الدين الذي يريدوه، ثم نبصق على المسلم الذي يمارس نفس هذا الحق، ونصر بكل برود على أن هذا الحق لا ينطبق على المسلمين؟
 بل ونبرر إمكانية قتل هذا الإنسان إذا قرر أن يترك الإسلام!!
أليس حق الإنسان في اختيار الدين واحداً لا يتجزأ؟ أم انه نفاق يقوم على" قناعة" أن "ديننا" هو "الأفضل"، ولذلك فإن ما حدث لغير المسلم هو "هداية"، على حين أن المسلم الذي يتحول إلى دين أخر، هو في "ظلال"؟
هذه "القناعة" خاطئة.
تؤذي الإنسان.
كل الأديان طرق، توصلنا إلى الرحمن. والإلحاد طريق أيضاً.
وهي طرق متساوية. لا تزيد أو تنقص عن غيرها.
وإذا أراد الإنسان أن يكون ملحداً، بوذياً، يهودياً، مسيحياً، فهذا حقه.
حقه.
لا ينقص منه شيئاً.
---
قلت لقاسم الغزالي خلال الندوة أني أحييه على شجاعته، لأنه ترك الإسلام، لكني لست ملحدة. هذه قناعتي.
وعلى حين أني قررت البقاء في الإسلام، فأني أصر أني لم أقل ابدأ اني أقبل به بالصورة التي هو عليها اليوم. أنا أؤمن بإمكانية إصلاح هذا الدين. والدين الذي أؤمن به هو دين محبة سلام ونور. دين يحترم الإنسان وإرادة هذا الإنسان.
فكان رد قاسم الغزالي علي: "أنا لم أختر أن أكون مسلماً كي أترك الإسلام".
وعبارته كانت في الواقع صحيحه.
فالمدون المغربي أدرك عندما شب أنه لم يختر أن يكون مسلماً. وأراد لذلك أن يمارس حقه في الاختيار، وأن يدون هذا الاختيار في كلمات على مدونته. فأضطر إلى مغادرة بلده خوفاً على حياته.  
ألا يدعونا هذا إلى الخجل؟
---
الطريق لازال طويلاً أمامنا. وأنا مصرة على أن أي إصلاح في مجتمعاتنا لا يتناول إصلاح الدين مصيره الفشل. 
ولذلك أعود من جديد إلى الحديث عن الإسلام الإنساني. أحدثكما في المقال القادم عن العنصر الرابع الذي يقوم عليه الإسلام الإنساني، عن المرأة، وسأمهد له بالحديث عن واقع المرأة بعد انتفاضة الحريات!
إلهام مانع



رسالة مفتوحة إلى منظمة العفو الدولية

دعيني أولاً ابادر بالاعتذار لما سأقوله لك في هذه الرسالة، خاصة وأنه قد يأتي شديداً.

 ا بادر بالاعتذار لأني من أشد المؤيدين لعملك.

في الواقع أنا عضوة في فرعك السويسري.

تماماً كما أن جهودك والتقارير التي تنشريها دورياً دفاعاً عن حقوق الإنسان في صورها المتعددة كانت لنا، نحن العاملون في هذا المجال، ذخيرة، نستخدمها دوماً للتدليل على الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في بلداننا العربية.

 رغم ذلك، اجدني مضطرة إلى القول إن تقريرك بعنوان "خيار واساءة: التمييز ضد المسلمين في اوروبا" الذي صدر في أبريل 2012، وتحدثت فيه عن التمييز الذي يلاقيه مسلمون في البلدان الأوروبية، هذا التقرير جاء مخيباً.

 مخيباً، لأنه وإن كان قد تحرى التأكيد على التعددية القائمة ضمن الجاليات المسلمة، إلا انه جاء معبراً عن رؤية شريحة محددة ضمن هذه الجاليات، وتحديداً المحافظة والإسلامية السياسية فيها.

مخيباً، لأنه وإن كان يسعى إلى حماية أقلية دينية، فإنه فشل في توفير الحماية للأقلية داخل هذه الأقلية، أعني المرأة والطفل.

مخيباً، لأنه وإن كان قد اشار إلى أن هناك تمييزاً تتعرض له المرأة المسلمة داخل جاليتها، إلا أنه فشل أن يقف إلى جانب هذه المرأة في توصياته. صمت عن قضايا عنف وتمييز تتعرض له هذه المرأة. والصمت لا يعني سوى أنك اشحت بوجهك عما يحدث لهذه المرأة.

سأوضح لك ما أعنيه بهذه العناصر الثلاثة. أولاً، اشار تقريرك إلى أن الجاليات المسلمة تتميز بالتعددية في رؤيتها للدين، وفي طبيعة علاقتها بالدين الإسلامي. وأن ممارسات معينة قد تكون تعبيراً عن قناعات دينية، ثقافية، او تقليدية محافظة.

رغم ذلك، فإن جزءاً كبيراً من تقريرك ركز على ما أسماه بالتمييز الذي "تتعرض له التلميذات المسلمات في التعبير عن حريتهم الدينية". كنت تعنين بذلك الحظر المفروض على لبس الحجاب في المدارس.

سأكون واضحة في موقفي هنا. أنا من المؤيدات لحظر الحجاب في المدارس. اؤيد هذا الحظر لأنه حماية لهذه الطفلات والفتيات. حمايتهن من ضغوط اجتماعية يتعرضن لها كي يلبسن الحجاب.

وهناك امثلة عديدة على طالبات ذهبن إلى مديرة مدرستهن يسألنها ان تحميهن من الضغوط التي يتعرضن لها من زميلاتهن "المتدينات". وغيرهن يتعرضن للضغوط من الذكور في أسرهن. يهددونهن إما بالضرب أو بحرمانهن من الدراسة. ووالله اني لا أتحدث هنا من خيالي، بل أسرد عليك قصصاً من الواقع.

 حمايتهن من فكر ديني محافظ يقول لهن إن من لا ترتدي الحجاب ستحرق حرقاً في نار جهنم. وإن الحجاب فرض على الفتاة، وإن من لا تفعل ذلك تصبح عاصية، يعلقها الله من شعرها في جهنم. بالله عليك،

عن أية حرية دينية نتحدث فيها هنا عندما تجد الطفلة نفسها مخيرة إما بين جهنم أو تغطية شعرها؟ هل هي حرة فعلاً في هذا الاختيار؟

من هذا المنطلق يأتي موقفي الداعم لحظر الحجاب في المدارس. كي نتحدث فعلاً عن حرية المرأة في الاختيار، يتوجب أن تكون هذه المرأة بالغة راشدة، اي في الثامنة عشرة من عمرها. اي بعد أن تنتهي من دراسة الثانوية العامة. وعندما تقرر وهي في هذا السن، أي بعد الثامنة عشرة، دون ضغوط أسرية أو مجتمعية، ارتداء الحجاب، فإن هذا يظل قرارها، الذي أحترمه رغم اختلافي معه.

ولذلك، أعود واقول لك، إن القسط الأوفر الذي خصصه تقريرك لموضوع الحجاب يبدو لي معبراً عن رؤية شريحة صغيرة من الجاليات المسلمة. كم منا يصر على طفلته ذات التاسعة من عمرها أن تلبس الحجاب؟ ثم ألا يحق لهذه الطفلات أن يعشن طفولتهن بدلاً من أن يتحولن بين ليلة وضحاها من طفلة إلى "عورة" تَجبُ تغطيتها؟ عن أية حرية تدافعين عنها هنا؟

ثانياً، جاء التقرير ساعياً إلى حماية اقلية دينية خاصة في ظل تصاعد مد التيار اليميني المتطرف في بعض البلدان الأوروبية. وهو أمر هام وضروري، خاصة وأن هذا التيار يؤسس لمواقفه من خلال فكر غوغائي عنصري، يقوم على التخويف من الأخر.

 رغم ذلك، اظل مصرة أن هناك جوانب كان لابد لتقريرك الإشارة إليها عند الحديث عن واقع هذه الجاليات. كان لابد أن تدافعين عن حقوق الأقلية ضمن هذه الأقلية، وأعني تحديداً المرأة والطفل.

في سويسرا تمكن حزب الشعب السويسري اليميني في عام 2009 من تمرير استفتاء شعبي أدى إلى حظر بناء المآذن على المساجد.

لم يكن أحد منا يتوقع أن تنجح هذه المبادرة. فالشعب السويسري معروف بتسامحه. لكن ما حدث هو العكس. وما حدث كان تعبيراً عن ردة فعل على قضايا اجتماعية مسكوت عليها.

 لم يفعل الحزب أكثر من أن شن حملة انتخابية تحدث فيها عن قضايا الزواج القسري للفتيات، عن عمليات ختان الإناث، ثم عن العنف الذي تتعرض له المرأة لدى بعض شرائح الجاليات المسلمة. ثم وضع كل هذه القضايا في سلة واحدة وأسماها مآذنة! فصوّت الناخبون بنعم.

المشكلة أن الحزب لم يخترع أي من هذه القضايا، فهي موجودة. وهي موجودة لدى بعض الشرائح، ولا اقول الكل. لكن الحزب لم يكن يهدف من خلال الحديث عن هذه القضايا البحث عن حلول لها. لا. كان يريد فقط التشهير بديانة محددة كي يحصل على اصوات انتخابية.

أدرك أن دوافع هذه الانتهاكات قد تكون اجتماعية وثقافية أكثر منها دينية، بيد ان الصمت عن هذه القضايا يوفر بيئة خصبة لأحزاب اليمين المتطرف لاستغلالها سياسياً.

 كنت لذلك أتوقع في توصياتك أن تشيري ولو من بعيد إلى وجود مشاكل مجتمعية تتعرض لها المرأة والطفل داخل بعض شرائح هذه الجاليات (اقول البعض ولا أقول الكل)، وأن على الدول الأوروبية أن تبحث عن حلول لها. لكن توقعي عاد من جديد على ادراجه خائبا.

 ثالثاً، وأخيراً، وربما ألأهم في كل هذا، لم يتطرق التقرير إلى التمييز القانوني الذي تتعرض له المرأة في دولة كبريطانيا. بريطانيا هي من اكثر الدول ليبرالية في التعامل مع الأقليات الدينية، وهو أمر تُشكر عليه. لكن هذه الليبرالية تحولت إلى تمييز قانوني ضد المرأة عندما سمحت الدولة هناك بمحاكم إسلامية تطبق مبادئ الشريعة في قضايا الزواج والطلاق والإرث.

 لم يتطرق التقرير لا من بعيد ولا قريب إلى هذه القضية التي أدت إلى انتهاك صارخ لحقوق هذه النساء، خاصة وأن احكام الفقة المطبقة في هذه المحاكم تعطي للرجل ولاية على المرأة، ولا تساوي بين الأخ وأخته في حقوق الأرث، كما انها تميز ضد المرأة في مسائل النفقة، والحضانة، والطلاق، وتبرر ضرب الرجل لزوجته بتبريرات دينية.

هل تريدين مثالاً؟ المحاكم الإسلامية تعطي للفتاة نصف ما يحصل عليه أخيها في الأرث. أما المحاكم البريطانية فتعطي للفتاة نفس حصة أخيها! هل تريدين مثالاُ؟ أحد القرارات التي صدرت عن مجالس الشريعة (وهي تختلف عن هيئة المحاكم الإسلامية) اصرت على حرمان امرأة مسلمة متزوجة من غير مسلم من أطفالها إلى أن تتزوج من مسلم!!

هل تريدين مثالاً؟ قرار أخر لنفس المجالس أعتبر أن من واجب المرأة أن تلبي رغبات زوجها الجنسية، ارادت أم لم ترد. يعني غصباً عنها!!

هل تريدين مثالاً؟ عندما تلجأ إمرأة مسلمة إلى هذه الهيئات لأن زوجها يضربها، فإن ردة الفعل هي محاولة إقناعها بالعودة إلى زوجها، ذلك الذي يضربهاَ!!

 لماذا صمت تقريرك عن هذا الانتهاكات التي تحدث؟ وهي معروفة وموثّقة! لماذا لم يدافع عن حقوق هذه النساء؟ لماذا اختار ان يشيح بوجهه عن هذه القضية؟

 بحثت عبثاً عن توصية إلى حكومة بريطانيا يطالبها بتطبيق قانون واحد على كل سكانها، ويعاملهم جميعاً على قدم المساواة، رجالاً كانوا أو نساءاً، مسلمين أو غير مسلمين.

بحثت عن هذه التوصية عبثاً. ولذلك اسألك. ثم أعتب عليك، عتاب الصديقة المحبة.

 فأنا وانا انتقدك في هذه السطور أظل مقتنعة برسالتك الداعية إلى حماية حقوق الإنسان. ومقتنعة بأهمية دورك كصوت للضمير الإنساني.

ولأنك تمثلين لي صوتاً صادقاً محايداً، كان من واجبي أن اطالبك بان لا تخوني مبادئك.

 لا تخوني مبادئك.

 ثم أتخذي موقفاً صارماً تجاه كل انتهاك يحدث، سواء ضد هذه الأقلية او داخلها.

 إلهام مانع