الاثنين، 7 سبتمبر 2009

العقل أولاً!

دعونا نعيد الحوار إلى خانته الأصلية: خانة العقل والمنطق والإقناع.

نعيده إلى النقطة التي بدأ بها في تجلياته الأولى في القرن التاسع العشر، ثم كتمنا على أنفاس اصحابه منذ ثلاثينات القرن العشرين، فأكمل عباقرتنا حياتهم في كتابات تتحدث عن عبقرية محمد وعلي، وسير الصحابة والعظماء.

فضاعت الفكرة.

أي خسارة!

نعيش أثارها يومنا هذا، في نفوسنا المتهالكة اليائسة النافرة، وفي عقولنا الرافضة الجامدة.


أقول إذن لنعُد الحوار إلى خانة العقل، ولنخرج من مصيدة "قال الله تعالى"، أو "قال الرسول الكريم".

هي مصيدة لسببين.

الأول، هو أن هناك أشياء في القرآن لم يعد من الممكن القول إنها تصلح لزماننا هذا. عاف عليها الزمان، وأصبح من الصعب القول إنها تنتمي إلى عصرنا هذا.

العبودية واحدة منها. هي مذكورة في القرآن، تماماً كما أنها مذكورة في الكثير من الكتب المقدسة.

وأعرف أن البعض، سيرفض أولاً مجرد مقارنتي للقرآن الكريم مع كتب سماوية أخرى، وهذا شأنهم، وغيرهم الأكثر سيقولون: لكن الدين الإسلامي حض على تحرير العبيد في كل فرصة مواتية، وهذا أيضاً صحيح، لكنه لم يدنها كممارسة، وهنا المحك.


تماماً كما أن هناك الكثير من الأشياء غير المعقولة التي ذُكرت في ما نتناوله ونُصر على أنها أحاديث نطق بها الرسول الكريم. كحديث الذبابة الذي يحثنا إذا سقطت في شراب أمامنا أن نكمل غمسها فيه ثم ننزعها، ونشربه على بركة الله، لأن في "إحدى جناحيه دواء وفي الأخرى شفاء".

ومع احترامي لمن وضع هذا الحديث، لأنه حديث موضوع حتى ولو ذُكر في صحيح البخاري، إلا أن عقلي يعافه، وينفر منه، ولا يقبله. فمهما كانت درجة خشوعي وإيماني تظل نفسي تعاف الذبابة.

ورغم غرابة مثل هذا الحديث، نجد من يخرج علينا ليقول "لقد أثبت العلم الحديث أن في جناح الذبابة الخير الكثير، وأنها بالفعل تحتوي على مصل مضاد لبكتيريا جناحها الأخر!" ومادام الأمر كذلك، لم لا ننشره كخبر أول في صحفنا العربية، حتى يعم الخير على المعمورة، وتستفيد البشرية من مثل هذا السبق العلمي.

بالله عليكم ألا نستحي؟

ما علينا.


إذن هذا هو السبب الأول.

الثاني، هو أن كلمة العقل تُخرجنا من مأزق"الإجتهاد". وهو مأزق بحق.

المؤيديون لمبدأ إستخدام العقل في تسيير شئون حياتنا، عادة ما يدللون على إمكانية فعل ذلك بالقول "إنظروا ما فعل الخليفة عمر بن الخطاب عندما أوقف دفع المبالغ التي ذكرها القرآن للمّؤلفة قلوبهم، وبرر ذلك بأن الأسلام أصبح قوياً لا حاجة له بهم بعد اليوم، ثم أوقف حدَّ قطع يد السارق في عام المجاعة، لأن الظرف كان لا يسمح بتنفيذه، لاسيما وأن الناس يتضورون جوعاً ويشاهدون أطفالهم يموتون أمام أعينهم".

كلام جميل.

لكنهم متى ما بدءوا يعُملون عقولهم خرج عليهم من يجادلهم "وهل أنتم بمكانة عمر بن الخطاب. الاجتهاد حق للعلماء" فقط، والعلماء المقصودون هنا هم علماء الدين طبعاً!

أربع كلمات، "الاجتهاد حق لعلماء الدين"، تلغي كل إمكانياتنا الفكرية والعقلية، مقدرات كل من درس علوم الحياة، لأنهم ليسوا علماء دين.

تخيلوا إذن حال أوروبا اليوم، لو أنها إستمعت إلى حظر الكنيسة في القرون الوسطى على التفكير.

وقتها، قالت هي الأخرى إن التفكير والإجتهاد حصر على علماء الدين، على من يقدر على فك تفشيرات الفكر الديني المقدس. ووقتها أيضاً أعتبرت من خرج على هذا الحظر ملعوناً في الدنيا والآخرة.

لكنهم كانوا أدرى.

لم يطيعوها، أدركوا قبلنا أن العقل هبة من الرحمن، أنعم علينا بها كي نستخدمها، بها ميزنا عن غيرها من المخلوقات، وهي بتكوينها الفريد لم تخلق كي نجمدها في ثلاجة أبدية إسمها "لنثق في علماء الدين"، فأنا ببساطة لا أثق فيهم.

بعض هؤلاء العلماء يطالبني أنا المسلمة أن لا أحيّي أخي المسيحي، وهو أبن جلدتي وعروبتي، أو أخي اليهودي، أو أخي البوذي، أو أخي الملحد، وكلهم أخوتي، أخوتي في الإنسانية.

وهم أيضاً يصرون على أن كل بدعة ضلال.

البدعة، وهي الابتكار والتجديد، نسميها ضلال.

تماماً كما أنهم يصرون على أن كوني إمرأة يجعلني "ناقصة" في "العقل وفي الدين". وستشهقون "هذا حديث الرسول الكريم"، وأرد عليكم بالعقل إن من كرّم المرأة عندما جاء في زمن كانت المرأة فيه تُورث كبضاعة، لا يمكنه بالمنطق أن يقول مثل هذا الحديث.

دعونا إذن نُقدم على التفكير،

دعونا نعيد حديثنا إلى خانته الأصلية: خانة العقل والمنطق والإقناع.

دعونا نقول من جديد، إن الحياة رهن بفكرنا وإرادتنا، ومعها مستقبلنا.

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

لي لسان لن أقطعه!

لي صديقة عزيزة.
أحبها رغم أن معرفتي بها لازالت قصيرة.

حذرتني!
وكادت أن تنهرني.

قالت لي: هل لديك ميول انتحارية؟
رديت بلا.

فأردفت: "إذن أكتمي صوتك. لا تتعجلي بعرض أرائك كما هي. أنت تعيشين في واقع لا تتجادلين فيه مع من يخالفك بالكلمة والحرف والقلم. بعضهم سيرد عليك بسكين ينغرز خلسة في جسدك، وأنت لا تتوقعين".

وأكملت: "اعرضي أرائك تدريجياً، حتى يكون القارئ مهيئاً لما تقولينه. ماذا يجديني إذا كتبت كتابين، ثم تعرضت للأذى. أكتبي عشرة، وفي العاشرة دعي ملامح اعتراضاتك تتجلى في هدوء".

قالت كل هذا لأني صارحتها بأن رئيس تحرير موقع شفاف بيار عقل وافق متكرماً على نشر سلسلة لي بدءا من شهر سبتمبر القادم تحت عنوان "يوميات امرأة عربية"، أعرض فيها لوجهة نظر كامرأة تقول إن هويتها تتداخل بين عدة دوائر.

أولها أنها إنسانة، وثانيها، أنها عربية، وثالثها، أنها مسلمة. لكن الثالثة تظل حيزاًَ خاصاً تتعامل معه بحب، و تحرص عليه في الوقت ذاته من العلانية.

وأقول أيضاً إني وأن اخترت الإسلام ديناً، إلا أن هناك أوجه من هذه الديانة، عاف عليها الزمان، وأن بعضها لا يمت إلى واقعنا بصلة، وغيرها تم تأسيسه لحماية مصالح عديدة، ولذا هي من الدين الحنيف براء.

وأقول أيضاً إنه كما كان العقل عند المعتزلة مرجعاً في التشريع، فإني أراه أيضاً مرجعا في الحياة، أؤسس عليه حياتي، وأقيم عليه قواعد بناء إنسانيتي. وإني لذلك سأعرض وجهة نظر لرؤية إنسانية للدين الإسلامي الحنيف، هي على النقيض تماماً من تفسيرات القرون الوسطى.

أقول كل هذا من منظور أنثوي قد يثير الاشمئزاز لدى البعض، وقد يعتبره البعض ترهات امرأة تنظر إلى التفاصيل، وتدخلنا في متاهات لا داعي لها. لكن الشيطان يا عزيزي كما تعرف يختبئ دائماً في التفاصيل.

ربما لذلك ستقول لي "لم لا تستمعين إلى رأي صديقتك الطيبة. فحديثها منطقي وهادئ، وهو أدعى إلى الحفاظ على السلامة".

ومادمت أنت وهي قد اتفقتما، فلعل الحق معكما.
ربما من الأفضل لذلك أن ألجم لساني، أو لعل الأفضل أن أقطعه؟
لنقطعه ولنتخلص من وجع الرأس.

نقطعه كما قُطع لسان إبن المقفع!
قطعه أولو الأمر لأنه أراد النصيحة بكلمات مواربة.
ولأنهم قطعوه رغم أنه آثر السلامة، أفُضل لذلك أن أنطق برأيي بلا مواربة، بصورة مباشرة.

لساني إذن من النوع العنيد، يقول الكلمة وهو يعنيها، ويترك لمن أمامه الخيار أن يقبلها أو يرفضها، وحبذا لو رفضها بالكلمة والحوار لا بالرصاص والتجريح.

الصمت لم يعد خياراً. أصبح واجباً ، نكسره ونتحمل عواقب كسره.

هو الصمت الذي جعلنا نقف اليوم، ونحن في القرن الواحد والعشرين، محلك سر.
كأن الزمن مر على كل الأمم ليقف عندنا ساكناً، لا يتزحزح، و نسكن لذلك في فجوة زمنية، نعيش فيها ما عايشته أوروبا في القرون الوسطى.

هو الصمت عدونا، ومعه الخوف الذي يلجم ألسنتا.
ولأنهما كذلك قررت أن لا أقطع لساني.
أن أحافظ عليه.
وأن أنازلهما، الصمت والخوف، بالكلمة والحرف.


ولأن قراري كان عقلانياً أسألكما، أنتَ وهي، أن توافياني الأسبوع القادم في يومياتي العربية.

لعلكما تستمعان وتصغيان، ولا تجفلان.

يوميات إمرأة عربية

أعزائي وعزيزاتي

اليوم سأبدأ بإعادة نشر يوميات إمرأة عربية التي نشرها موقع شفاف الشرق الأوسط في سلسلة بدأت يوم 30 أغسطس 2005 إلى سبتمبر 2006.
عندما بدأت في كتابتها كنت غاضبة.
وهذا الغضب سيتبدى لكّن في السطور.
ومع الوقت هدأت.
فتبلورت ملامح الإسلام الإنساني.
تقبلوا كلامي بصدر رحب، ولاتسيئوا الظن بي.
محبتي،
إلهام مانع