الأربعاء، 1 يوليو 2009

إنزعجت!

إنزعجت كثيراً لخبر تعيين داليا مجاهد عضوا في المجلس الإستشاري للأديان للرئيس الأمريكي باراك أوباما.

وإنزعجت أكثر من إنزعاجي.

قلت لنفسي، لا تكوني متطرفة في علمانيتك، ولا تمتعضي من حجابها، نصف أعضاء عائلتك من النساء يرتدين الحجاب، والمسألة في النهاية قطعة قماش قد لا تحدد في الواقع طريقة تفكيرها.

لكني، كي أكون أمينة معكم، كنت منزعجة لسببين: الأول، هو أن من تنشأ في بيئة غربية ثم تقرر إرتداء الحجاب عادة ما تكون متأثرة بفكر ديني أكثر محافظة مما هو سائد في بلدانها العربية. وإن كنت أقُر أن حالة التأسلم الشعبية السائدة حالياً في البلدان العربية، لم تعد تعطي مجالاً للتفريق بين تدّين المهجر الحاد ونظيرة في البلد الأصلي.

السبب الثاني، كان حالة الفرح التي سادت وسائل الإعلام الممولة من المملكة العربية السعودية، إضافة إلى ترحيب منظمة إسلامية أمريكية معروفة بميولها الإخوانية الإسلامية بتعيين داليا مجاهد في المجلس الإستشاري.

ولأنهم رحبوا كثيراً بتعيينها أستغربت، ثم تخوفت.

رغم ذلك، اخذت مسافة من أرائي، وقلت إنتظري، الوقت وحده سيتكفل بتوضيح لونها ومواقفها.

ثم جاء خطاب الرئيس باراك أوباما الذي وجهه من جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي. أعجبني في مجمله. لولا عبارة قالها خاطفة، لفتت إنتباهي مرة أخرى، فلسعني إمتعاضي من جديد.

أدرك أن أي خطاب لرئيس في دولة غربية، يمر بمراحل وقنوات عديدة قبل أن يصل إلى صورته الاخيرة. ولذا لا أريد أن اضخم من دور المجلس الإستشاري للإديان، أو عضوة فيه من بين عشرين.

لكني استغربت للعبارة! كان الرئيس اوباما يفتخر بالحريات المتوافرة للمسلمين في الولايات المتحدة، والى المدى الذي دفع بالحكومة الأمريكية، على حد قوله، "إلى الذهاب إلى المحاكم للدفاع عن حق المرأة والفتيات في إرتداء الحجاب، وعقاب من يحرمهم من هذا الحق".

هنا أدركت أن الرئيس أوباما يستمع إلى وجهة نظر إحادية في هذا الشأن. وأن وجهة النظر الإحادية هذه تقف مستفردة بالتعبير عن ما "يمثل المسلمين والمسلمات"، وهي وحدها التي تقول "هذا ما يريده المسلمون والمسلمات". ولعلها في الواقع لا تقول إلا ما يمثل "رؤيتها هي للإسلام". رؤية متأسلمة.

أن تذهب الحكومة الأمريكية إلى المحاكم للدفاع عن حق المرأة في إرتداء الحجاب، شأن يمكن أن نختلف عليه. فهناك من يقول ان الحجاب جزء من الدين. والكثير من النساء ممن يرتدين الحجاب اليوم يفعلن ذلك لأنهن مقتنعات فعلاً أنه جزء من دينهن.

في المقابل، اليوم، إرتفعت العديد من الأصوات من داخل البلدان العربية والإسلامية، التي تؤكد وتصر على أن الحجاب رمز سياسي جاء مع مد سياسي إسلامي، وفي الواقع لا علاقة له بالدين. هو الرمز الذي أتخذه حسن البنا، مؤسس حركة الأخوان المسلمين، كنمط مضاد لصورة المرأة التي تبناها كمال أتاتورك في تركيا العلمانية، بعد أن اعلن إنهاء زمن الخلافة العثمانية. لكنه وهو يفعل ذلك، لم يقل هذا رأيي، بل قال هذا رأي الله. الله هو الذي قال، رغم إن حسن البنا فقط هو الذي قال. وهذا الشد والجذب بين الصوتين، يثير قدراً من التشوس والبلبة، قد تبرر سبب إندفاع الحكومة الأمريكية الحماسي في الدفاع عن حقوق المحجبات من النساء.

لكن أن تذهب الحكومة الأمريكية إلى المحاكم للدفاع عن حق الفتيات في إرتداء الحجاب أمر لايثير فقط الإستغراب، بل الإستهجان، لأنها بذلك لا تدافع عن "حق إنساني" بل تساهم في إنتهاك حقوق هذه الصغيرات.

كم منا رأى طفلة في السادسة أو التاسعة ترتدي الحجاب؟ ومنذ متى بدأنا نرى هذه الصورة؟ صورة طفلة صغيرة تغطي نفسها كاملة! هل كنا نفكر يوما في تغطية طفلة في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي؟ بالطبع لا. وإلى يومنا هذا في المجتمعات المدنية في البلدان العربية، لا نسمع عن طفلة في السادسة من العمر تضطر إلى إرتداء الحجاب.

لأنها أعزائي طفلة، تحب ان تلعب وتجري وتقفز، لا أن نجرها بحبال من قماش يخنقها وأنفاسها في كل حركة.

فلنحكم عقولنا أخوتي، من يدافع عن الحجاب، يطالب بتغطية الجانب الإنثوي في المرأة كي لا تثير الرجل، هذا المنكوب بغرائزه. ولو إفترضنا فرضاً أننا نقبل بهذه الرؤية "الحيوانية" للإنسان، ذكرا كان أو أنثى، فإنه من المنطقي القول إن الطفلة مستثناة من هذه المطلب. اليست طفلة؟ والطفلة ليست إمرأة تصلح للنكاح. ورجوتكم ان تحتفظوا لإنفسكم بأراء من تعرفونهم من الفقهاء عن زواج الصغيرات. لأنها مخجلة، مخزية، ومهينة لهم ولمن يؤمن بها.

مد الأسلام السياسي ومعه هوجة التأسلم الشعبي التي أمتدت إلى بعض اوساط المهاجرين في البلدان الغربية دفع بهم إلى التطرف إلى حد اصبح فيه الفارق بين طفلة وإمرأة لا يعني الكثير بالنسبة لهم. طفلة أو إمرأة سيان. هي إنثي، والسلام، وكل ما هو انثى خطر يجب حجبه وتكفينه. ومع المد اصبحنا نرى البعض يصرخ في البلدان الغربية مدافعاً عن حق الطفلة في أن تتحجب! وأن تعامل كإمرأة! وأن تنتهك طفولتها! والصارخ لا يرى غضاضة في منطقه!

لذلك، لم تكن عبارة الرئيس موفقة.
فالرجل كان يفاخر في الواقع بأنتهاك حكومته لحقوق الأطفال في مجتمعه.
و الأهم أن عبارته لم تأت من فراغ. بل عبرت عن رؤية من يقدم له النصح.

صممت رغم ذلك، أن لا ادع رؤيتي أنا الأخرى تتحكم في.
قلت لنفسي، الإنسان يُعرف مما كتبه اخيراً. فبحثت عن الكتاب الذي اشتهرت من خلاله داليا مجاهد، وعنوانه، "من يتحدث بإسم الإسلام؟"، والذي نشر في نيويورك باللغة الإنجليزية عام 2007.

كتاب، اجرت فيه الباحثة وزميلها جون إسبوزيتو مسحاً ميدانيا لعينة من السكان في العديد من البلدان في المعمورة، ضمن إطار مسح جالوب المعروف، وتزعم فيه وزميلها أن نتائجه تعبر عن أراء أكثر من مليار مسلم.

ما أجمل الخيال في صورته العلمية.

لا أعرف رأيكن أخواتي، لكني اعمل في مجال البحث العلمي، وأرى من المستحيل لأي مسح ميداني أن يعبر عن اراء اكثر من مليار شخص. من يزعم ذلك لا يبالغ فقط، بل يتجاوز حدود الإدراك المعرفي العلمي.

فتشت في الكتاب عن مفهوم "الشريعة"، أردت أن ارى، هل تدافع فيه الباحثة عن رؤية مدنية للقانون في البلدان الإسلامية؟ وهذه نقطة ليست فلسفية من جانبي، لكنها ضرورية لإي إصلاح فعلي: قانون مدني يستند إلى مفاهيم حقوق الإنسان، يتعامل مع المواطنين في الدولة على قدم المساواة، بغض النظر عن الدين (والمذهب)، الجنس، اللون، أو العرق.

ووجدتها في الواقع تدافع عن الشريعة قائلة هي وزميلها أن هناك خلطاً في المفاهيم بين الشريعة والقانون الإسلامي، الشريعة على حد رأيهما هي "بوصلة، تعبر عن المبادئ التي تتعدى الزمان ولا يمكن تغييرها"، والقانون الإسلامي "الفقة" الذي هو "خريطة، يجب أن تتفق مع البوصلة".

وجدت من الغريب بعد ذلك التمييز بين الشريعة والقانون الإسلامي ان لا يثار خلال الحديث عن حقوق المرأة موضوع قوانين الأحوال الشخصية العربية، التي طالب تقرير التنمية البشرية العربي لعام 2005 بتغييرها لضمان النهوض بالمرأة العربية من واقعها المتخلف.

تلك القوانين تعتمد في مضمونها على نصوص قرآنية، أي أنها تدخل صميماً في مفهوم الباحثة للشريعة "البوصلة"، وهي تؤسس للتمييز القائم ضد المرأة ضمن نطاق العائلة. ولأنها مجحفة، وفقاً لقراءتنا اليوم لمفاهيم حقوق الإنسان، فإنها بالتأكيد مباديء مرتبطة بزمان نزولها، ويمكن تغييرها حتما بصورة تضمن حق المرأة في الكرامة والإستقلال. بكلمات أخرى، الشريعة يمكن تغييرها.


ووجدت من الأغرب أنها وزميلها عندما يتحدثان عن "الإسلاموفوبيا" الأوروبي، يتغافلان عن وجود مجتمعات موازية متأسلمة في أوروبا، تصر على الفصل بين الجنسين، وتصر على فرض صورة نمطية للمرأة، وتنتهك مفاهيم المساواة التي وصلت إليها هذه المجتمعات بعد مئات السنين من الكفاح.

وجدت كل هذا غريباً.
فمن يتحدث عن واقع، يتوجب عليه أن ينظر إليه من أوجهه المتعددة، لا من وجه آحادى ضيق.

أما الأغرب فهو أن الرئيس الأمريكي اوباما في سعيه إلى فتح حوار مع العالم الإسلامي أختار صوتاً لا يعبر عن التعددية القائمة في الأراء والمواقف في البلدان الإسلامية. بل إختار صوتاً يقول له "هذا هو الإسلام وهكذا هم المسلمون والمسلمات"، بدلا من أن يقول له "هذه رؤيتي للإسلام، وهذه رؤيتي لما يراه المسلمون والمسلمات".

والفرق بين العبارتين شاسع.

تمنيت لو أن الرئيس الأمريكي أختار اكثر من شخصية في مجلس مستشاريه، لا داليا مجاهد فقط، كي تمثل المليار مسلم، التي تزعم الباحثة في كتابها أنها تتحدث بإسمهم.

أكثر من شخصية تعبر عن تعددية الأراء والمواقف المدنية والعلمانية القائمة في البلدان العربية والإسلامية، إضافة إلى شخصيات تعبر عن مواقف الأقليات الدينية والمذهبية فيها، وصوت هؤلاء كما تعرفون يبدو دائما غائباً. وعندما تجتمع في مجلس واحد ستكون قادرة على تقديم رؤية متوازنة للواقع الذي يسعى أوباما إلى فهمه. وأظن أن في الولايات المتحدة الكثير من العقول والشخصيات القادرة على القيام بهذه المهمة على أكمل وجه.

هل تفهمون سبب إنزعاجي؟
ثم إمتعاضي؟
فالخوف، كل الخوف، أن الرئيس أوباما، لأنه لا يريد أن يكون كالرئيس بوش في مواقفه الإحادية، سيعمد هو الأخر إلى تبني رؤى أحادية مضادة.

وكلاهما يظل إحادياً، غير متعدد.


إلهام مانع