الأربعاء، 25 مارس 2009

جسُدها...حقُها..!

قاريء يمني عزيز احرق اربع سجائر وهو يقرأ مقالي الأخير "أن تدفن حياً".
لكنه وهو يعبر لي عن اعتراضه على مضمون ما قلته، وتحديداً ما يتعلق بحرية المرأة في جسدها، كان انساناً، حضارياً، أعترض على ما قلته جملة ومضموناً، بيد أنه فعل ذلك بأسلوب لا تجريح فيه، بل كان يقارع بالرأي.

يقول "هل عندما تكون الفتاة حرة في جسدها وسارت في طريق منحرف فهل سيلحق الأذي بها وحدها فقط : بطبيعة الحال لا وألف لا : فأبوها وأخوها وأمها وكل من ينتمي أليها بصلة قرابة سيلحق به الأذى. أختي الفاضله : إن ما قلتيه لا يقبله عقل أو منطق فما بالك بتعاليم ديننا الحنيف. وأين أنتي من ( كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيتة ) ثم أن الحرية ليست مطلقة. أرجوا وأتمني أن تجيبي علي سؤالي التالي :_ هل أذا تأخرت أختي عن البيت ألي ساعة متأخرة من الليل فهل يحق لي أن أسألها لماذا تأخرت وأين كانت ومع من كانت".

جعلني اتوقف عند حديثه.

قلت لنفسي "الأحرى ان تعودي إلى الموضوع من جديد، وأن تكفي عن طريقة الضرب والجري في حديثك. أشرحي وجهة نظرك. كما هي".

بداية، لاحظ عزيزي القاريء، عزيزتي القارئة، أني عندما اتحدث، لا اتخذ من الدين، اي دين مرجعاً. ليس لأنني اخذ موقفاً رافضاً للايمان، أو للدين بصفة عامة.
ليس فعلاً.
من يتابع ما كتبته في يوميات إمرأة عربية، وهي منشورة كلها في ركن الكاتب الخاص بي في موقع شفاف القديم، يدرك أني اتبنى موقفاً يمكن تسميته - إذا اردنا ان نتعامل بمصطلحات المثقفين الذين يكتبون لانفسهم كثيراً، كي لا يفهمهم من يكتبون له – يتجاوز "ما بعد الحداثة" بمراحل.

ما الذي يعنيه هذا؟

علمانية انا. أؤمن بضرورة الفصل بين الدين والدولة، واعتبره الشرط الاول من اجل أي إصلاح يمكن أن يحدث في مجتمعاتنا، ولنا في تركيا نموذجاً- رغم ما في نموذجها من مثالب- لكني لا اتخذ موقفاً سلبياً من الايمان، لا اعتبر ان الأيمان بالغيبيات "إيماناً خرافياً".

بل الايمان حاجة ضرورية، تحتاجها الاغلبية الساحقة من البشرية، وأنا من ضمنها. قناعة تعب كثير من الناس حتى وصولوا إليها بعد عقود من لعن "الإيمان" وسنسفيله. ربما لأنهم ادركوا أنهم بدونه يتوهون كثيراً، ومعه يجدون بوصلة تجعل من "عبثية" الحياة أمرأ محتملاً.

رغم ذلك، اصر في قراراتي وفي حياتي، أن اتعامل من منطلق عقلاني إنساني حر. ببساطة اُخرج الدين من حيزي العام.

بعضكم سيقول، ولم لا تتعاملين من منطلق ديني، فالقيم الدينية ليست حلة تختارين متى تلبسينها ومتى تخلعينها.
وردي ان الدين بالنسبة لي ينظم علاقتي الروحانية بالخالق، وبالطريقة التي تتناسب مع احتياجاتي. أكرر، وبالطريقة التي تتناسب مع احتياجاتي.

وأظن ان الكثيرين منا يفعل ذلك كل يوم، لكننا لا نُصرح بذلك، فالكثير مما اقوله يثير ضجة، لا لشيء سوى أني أقول صراحة ما أعتدنا ان نفعله خفية. ولذلك يأتي وقعه مزعجا.

كم مرة تصلي إذا كنت من المصلين؟ بعض من أهل السنة سيصلون خمس مرات في اليوم. وبعض من أهل الشيعة يصلون ثلاثة مرات في اليوم. والخلاف حتى في هذا التفصيل. وغيرهم سيصلي مرة في الأسبوع.

وأنا أصلي عندما احتاج إلى الصلاة.

عندما أحتاج إلى الصلاة، وأنا احتاجها اخواتي، اصلي. لكني لا احولها إلى روتين يتحول مع الوقت إلى حركات رياضية لا معنى لها.
فهل كفرت؟
هل يخرجني هذا من دائرة الإيمان؟
لاحظوا أني قلت "دائرة الإيمان" ولم أقل "دائرة الإسلام". فالأولى تحدد أن الهدف، الأساس، من فكرة الأديان، هو الله، الإيمان بخالق أكبر منا. لا يهم كيف نصل إليه. المهم أن نصل إليه.
والثانية تصر أن هناك طريقة محددة مفصلة للوصول إلى الله، ومن يرفضها خرج من دائرته.
حتى ولو قال بأعلى صوته "ياالله أحبك"، سيكّفرونه.
لأنه لا يحبه ب"طريقتهم".
إما "أن تحبه كما نحبه، أو انت كافر.. به"!
سبحان الله!

والإسلام ليس وحده في هذه القناعة. كل التفسيرات المتطرفة للأديان، المسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية، تتعامل مع من لا يؤمن "بطريقتهم هم"، وفقط "بطريقتهم هم"، على أنهم كفرة.

وهو امر يضنيني كثيراً، أخوتي.
فأنا على قناعة أني لم اخرج من دائرة الإيمان.
ليس فعلا.
ليس بالنسبة لي على الأقل.
فمادمت اقر بحاجتي إلى الصلاة، فأنها تعني حتماً حاجتي إلى وجود الخالق، وإيماني بوجوده، لكني لا امارسها إلا عندما احتاجها.

أموري الحياتية، علاقتي بالغير، لها حسابات اخرى.

لو تركت التفسيرات القائمة للدين تنظم حياتي، سأضطر إلى التعامل مع من حولي من منطلق "مدى إيمانه" من "عدمه"، وسأفعل ذلك بقدر كبير من "الاريحية". امر يزعجني هو الاخر كثيراً.

بمعنى انه لو كان "ملحداً" مثلاً، "مثلياً"، أو يشرب المشروبات الكحولية، فسأعمد إلى "الغض من النظر" عن "النقوص" التي فيه، وأنا "مقتنعة" أني "افضل منه" الف مرة.

هذه الطريقة في التعامل لا اقبلها، وأرفضها. فما أدراني، لعله هو افضل مني الف مليون مرة. في إنسانيته، في أحساسه بالناس ومصابهم، في انتاجه وإبداعه، في صداقاته، وفي بسماته. ما أدراني؟

ثم هل المعيار في التعامل الأنساني "الإيمان بدين"؟ أو الالتزام "بمسطرة خلقية" حدد قواعدها إناس لم يقدروا على الحياة فلعنوها؟

مثل هذا المعيار يفرق بين الناس، يباعد بينهم، ويجرح في انفسهم كثيراً. تماماً كما أنه معيار لا يلُم بمكنون الإنسان، بالتعقيد الذي فيه، وبالخير الذي فيه.
مالذي يجعل الإنسان إنساناً فعلاً؟ أن يؤمن او لا يؤمن؟ شأنه. لن يحوله إلى انسان افضل او أسوأ. بل سلوكه وعطاءه لبيئته هو المحك. وكم منا يقف وزبيبته على رأسه، وبعض شيوخنا مثال على ذلك، ولا يلوك لسانه سوى حديث الكراهية؟

أتعامل لذلك مع من حولي "كما هم". "كما يفعلون". وأقبلهم "كما هم". ليسوا "افضل أو أسوأ". بشر هم. مثلي. والخير هو فيما نفعله لمن حولنا. "ماذا فعلت لغيرك، قبل نفسك؟" لا أقل ولا أكثر.

الدين لذلك ليس مرجعي. ليس عندما يتعلق الأمر بالأمور الحياتية.
ولذلك عزيزي القاريء، عندما اتحدث عن المرأة، عن جسدها، لا أجعل من الدين أيضاً مرجعي.
ليس الدين مرجعي.

كل الاديان، بغض النظر عن أي دين نتحدث عنه، تعاملت مع جسد المرأة على أنه "شيء لا يخصها". يجب لفه في ورق سولفان، وركنه في رف، في أنتظار أن يأتي الشخص المناسب. والشخص قد يكون مناسبا او غير مناسب، المهم عريس والسلام، يُخرج "الشيء" من غطاءه، يبعث فيه الحياة، أو يدفنه. ما يحدث بعد ذلك ليس مهما. المهم أننا وضعنا ذلك "الشيء" في إطار نسيطر عليه، ونمأسسه.
و"الشيء" هو العلاقة الجسدية للمرأة.

لا أقحم الدين في الموضوع، لأني اعرف انا الأخرى، أنه عندما يتعلق الأمر بهذا "الشيء"، ما نقوله شيء، ومانفعله شيء اخر.
ما نقوله شيء، وما نفعله شيء اخر.
واترك لخيالك حرية الإبحار في عوالم ما نفعله!

أٌُصر اخي أن ما نفعله في واقعنا لا علاقة له بما نقوله، حتى في مجتمعات شبه الجزيرة العربية، بكل متاريسها الأجتماعية الخانقة، او بالأحرى، خاصة في مجتمعات شبه الجزيرة العربية، لأن الكبت لا يولد سوى الإنفجار، والمصائب معها.

ولذلك تجدني دائما اخي مندهشة.
مندهشة من مقدرتنا على الكذب على أنفسنا، على خداعها، من الإصرار أن مجتمعاتنا "لا تمارس ما تفعله المجتمعات الأخرى"، وخاصة "الغربية" منها.
في حين أن رجالنا يمارسون "كل" ما تفعله تلك المجتمعات، و"أكثر"، "وبشراهة" تدفع الكثير من افراد تلك المجتمعات إلى التندر بسخرية عليهم.
"عقولهم بين افخاذهم".
أتعرف كم مرة سمعت هذا التعليق؟

تماماً كما أن كثيرا من نسائنا تعلمن كيف يتماوجن مع القواعد والمحظورات إلى "حد"، بعضهن يَخفن من اجسادهن، لأنها "مصيبة" حطت عليهن، وبعضهن يلتزمن بما قيل لهن، وغيرهن لا يأبهن، "يفعلن ما يردن" إلى "حد".
ولذلك تخرج كثير من علاقاتنا الحسية "مشوهة"، كجنين كان يمكن ان تكتب له الحياة لولا أنه خرج إليها "مصاباً بالجذام".

هذا عدا أن هناك كثيرا من شرائحنا الاجتماعية، خاصة في الدول العربية خارج الجزيرة العربية، تعيش واقعاً لا علاقة له بما "ندعي انه فينا". المصادقة و المساكنة، كلها تعبيرات دخلت إلى قاموسنا اللغوي، حتى ونحن نزعق بمفاهيم السلفية الدينية بأعلى حناجرنا.

على حين نبحث نحن في جزيرتنا عن مخرج لا "يحرجنا"، فنسميه زواجاً "عرفياً"، "مسياراً"، "متعة"، لا يهم أي لقب نستخدمه، المهم ان نحدد له هالة "مشروعة"، نطمس بها معالمه الأساسية والتي لا تتجاوز بديهية أن رجلا وأمرأة ارادا ان يمارسا علاقة حسية في مجتمع لا يريد أن يعترف أن هناك شيء أسمه رغبة.

والمحك، المحك في المسألة كلها، هو موضوع "الوصاية"، على الإنسان أولاً، ثم تلك التي نصر على انها ضرورية في تعاملنا مع المرأة.
أنت كأب، كأخ، كزوج، وصي على هذا "الشيء".
والوصاية قد تكون محبة حنونة، أو قاسية جلفة، لكنها في النهاية تظل "وصاية". تؤطر لعلاقة فيها تابع ومتبوع. وأنتِ التابعة وهو المتبوع.
تسألني أيها العزيز "أذا تأخرت أختي عن البيت إلي ساعة متأخرة من الليل فهل يحق لي أن أسألها لماذا تأخرت وأين كانت ومع من كانت؟" وأسألك بدوري: "إذا تأخرت أنت عن البيت إلى ساعة متأخرة من الليل فهل يحق لها أن تسألك لماذا تأخرت، وأين كنت، ومع من كنت؟"
لو أجبت بنعم، أرد عليك بنعم أنا الأخرى.
لو كانت علاقة ندية، لقبلت بها.
لكنها ليست كذلك ابداً.
يعطي الرجل لنفسه الحق ان يكون وصياً على المرأة، ويتعامل معها من منطلق "الملكية"، لا "الندية".

تقول لي "الحرية ليست مطلقة".
وأنا مضطرة أن أناقضك. بل رأيي انها "مطلقة". فلو كانت الحرية التي نتحدث عنها تعني أن الإنسان ولد حراً، له إرادة، وقادر على أن يتحمل مسؤولية قراراته، رجلاً كان أم إمرأة، فإنها تظل مطلقة. ليست هبة.
ولد بها الإنسان، حقاً طبيعياً له، لا مساومة عليها.

لا يمكنني أن اطالب بالحرية واتجاهل ماتعنيه مضامينها في الواقع. فمتى ما قبلت بها، فلن يكون هناك مجالاً للوصاية التي نمارسها اليوم في مجتمعاتنا على الإنسان أولاً، ثم على المرأة بصفة خاصة.
لن يكون هناك مجالا لذلك أيها العزيز، إلا أذا اصررنا على دفن رؤوسنا في الرمال ككل مرة.
من هذا المنطلق أقول "جسُدها، حقُها، مسؤوليتها".

أعرف أن رأيي هذا لن يعجبك. وسيزعجك. ووالله أن هناك اوقاتا تمر علي تمنيت فيها أن اخرس قلمي، كي اجنب من احبهم الوجع، أو الحرج.
لكن الصمت، الصمت هو من يخنق احلامنا.
ولعلك عزيزي سترد علي من جديد. لكنك آسرتني بأحترامك لآداب الحوار، وقررت لذلك أن لا أتجاهل ما قلته، وأن اشرح لك وجهة نظري.
كل ما أتمناه عليك أيها الأخ العزيز أن لا تحرق أربع سجائر وأنت تقرأ هذا المقال.
أشرب كوباً من الماء، هو اصح لك.

الثلاثاء، 10 مارس 2009

أنا نجود!


أنا نجود. في العاشرة. ومطلقة!


هذا عنوان كتاب صدر حديثاً باللغة الألمانية لدار نشر كناور، ترجم عن الفرنسية، وكتبته الصحافية الفرنسية دلفين مينوي تحكي فيه قصة نجود.

هل تذكرونها؟

نجود، زوجها أبوها وهي في الثامنة، قبض ثمنها، ورماها لرجل في الثلاثينات من العمر. رجل الثلاثينات وعد اباها أنه لن يلمسها حتى تبلغ، وإبنة الثمان سنوات قال لها اهلها: لا تخافي، لن يؤذيك؛ والطفلة لا تفهم مايحدث. ذهبت معه، فأغتصبها!

هل تذكرونها؟

نجود! أرادت أن تلعب. طوال الوقت. أرادت أن تلعب. حتى بعد أن اغتصبها. حتى بعد أن ضربها. حتى بعد أن أصر عليها أنها أمرأة وعليها أن تتصرف كأمرأة. إبنة الثامنة، إمرأة؟ لكنها ارادت أن تلعب. طفولتها انتصرت. ورجل الثلاثينات يجرها من بين الأطفال إلى الغرفة، يجردها من ملابسها، ويفعل بها “اشياء وقحة”، هكذا حكت في المحكمة باكية. تريد أن تلعب، والرجل يصر على إغتصاب الطفلة.

ونحن، مجتمع الجزيرة العربية، مجتمع اليمن، نشيج بوجوهنا.

“لعنة الله على الفقر”، بعضنا، يمصمص شفاهه، ويحولق.

“أب متوحش”، غيرنا يقول، وينسى القانون الذي سمح للمتوحش ان يزوج ابنة الثامنة.

“ظاهرة ملعونة”، غيرنا يحشرج صوته، ينظر خلسة إلى وجه الصغيرة، ويتصور منظرها وهي تغتصب، ثم يغيب بخياله… المريض.

وغيرنا يقول إن الصغيرة عجينة، يشكلها الرجل كما يشاء. لايريدها بالغة، لا يريدها ناضجة، لا يريدها إمرأة عاقلة تكون له نداً ثم سنداً. يريدها طفلة. يشكلها كما يشاء، يوجهها كما يشاء، يقول لها تحركي، فتتحرك. يقول لها إمشي، فتمشي، ثم يقول لها نامي، فتنام معه.

لكنها لم تطاوعه، ما اروعها، رفضت فعله، لأنه شنيع. طفلة هي، هل نلومها؟

من يحميها من صمتنا؟ من يحميها من تواطئنا.

و… “زواج الصغيرة حلال”، يضيف بعض من شيوخنا. والبلاء هنا وخيم العاقبة. لعنة الله على شيوخٍ هكذا.

“حلال، حلال، حلال”.

لا يرون خللا في اغتصاب الطفلة. لايرون فيها جريمة. مسألة طبيعية. يقولون.

هكذا يقول رجال ديننا من السلفيين، وغيرهم من الشيعة لا يرى ضيراً من مفاخذة إبنة التاسعة. ولو كنا في مجتمعات أخرى، لإدُخلوا إلى مصحات نفسية لعلاج المجرمين الخطرين من منتهكي الطفولة. لكن الداعين إلى إغتصاب الطفلة نقف لهم في مجتمعاتنا احتراماً، ونخصص لهم برامج تلفزيونية، ثم لا نرى ضيراً في كل ذلك. أين الإنسان فينا. لا تصمتوا أمامهم. لنلقمهم حجراً. لنلقمهم حجراً.

نجود، هل تذكرونها؟

وحدها أدركت، أن ما يحدث بشع، بشع، بشع. لأنها طفلة أدركت هذا.

فقررت أن لا تستسلم لمصيرها.

“لاتستسلمي لمصيرك، أيتها الصغيرة القوية”.

استقلت سيارة اجرة، اخذتها إلى المحكمة.

قالت: سأقول لا.

“قولي أنت أيضاً لا”.

قالت: مصيري بيدي.

“قولي أنت أيضاً مصيري، ووجودي، بيدي ثم رهناً لإرادتي”.

فأنتصرت المحامية شذى محمد ناصر والقاضي محمد القاضي لطفولتها. ما أجمل الخير عندما ينتصر.

نجود، كيف ننساها؟

أظنكم تذكرونها.

جيداً.

فلا تشيحوا بوجوهكم.

وأظنكم تدركون جيداً أن ما يحدث جريمة.

لا تتجاهلوها إذن.

وما دمنا نعرف أن هناك جريمة تحدث، فالأحرى أن نعالج جذورها. أم أن الصمت دوما دوائنا؟

البداية كما تعرفون تكون عادة بالقانون. وبعدها بشيوخنا، لكن هذا حديث اخر.

ولذا، حان الوقت كي نلغي المادة 15 من قانون الأحوال الشخصية المعدل عام 1999، التي تعطي للأب الحق في تزويج إبنته إذا اعتبرها صالحة للوطيء. لا حظوا ان هذه المادة عدلت عام 1999، بعد أن كانت واضحة النص في تحديد السن الأدني للزواج ب15 عاماً.

لكنها عدُلت، وياخزي من تركها تمر هكذا. الناس يتقدمون، ونحن نمشي إلى الوراء، فأصبح من حق ولي الأمر أ ن يزوج إبنته إذا اعتبرها صالحة للوطء. . من يمنعه إذن إذا اعتبر ابنة الخامسة من العمر صالحة للوطيء؟

التغيير يبدأ بنا. فلندفع بإصدار قانون صريح واضح يحدد سناً ادنى للزواج، وحبذا لو كانت الثامنة عشرة من العمر هي ذاك الحد.

التغيير يبدأ بنا، ونجود هي صوت ضميرنا، فكفوا عن الصمت، ولنغير القانون. ثم لنلتفت إلى شيوخنا. لكن هذا حديث اخر.